قال
الحافظ: (قال
الكلاباذي ما حاصله: إنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات. أي: عبر عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعفٍ ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك). وهذا هو نفس المعنى الثاني، لكن الزيادة يقول: أن الله سبحانه وتعالى يجعل هذا العبد الصالح يرضى بالموت، فيحب الموت في النهاية، ثم لا يقع عليه ولا يقدر الله عليه إلا ما يحب لا ما يكره، فيردد الله تعالى عليه الأحوال حتى يتحول من كارهٍ للموت إلى محب له، فتقبض روحه وهو محب للموت، فيكون هذا هو معنى التردد. قال: (وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه، والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت، فضلاً عن إزالة الكراهة عنه). وهذا صحيح، إذ إن بعض عباد الله الصالحين ليس فقط أنه لا يكره الموت، بل إنه قد يشتاق إلى الموت لما يحدث الله تعالى في قلبه من محبة لقائه، (
ومن أحب لقاء الله أحب الله تبارك وتعالى لقاءه )، لكن هل هو المقصود بالحديث؟قال: (فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه، ويكره الله تعالى مساءته، فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال، فيأتيه الموت وهو له مؤثر وإليه مشتاق).وحقيقةً على هذا المعنى كأنه لم يعد هناك تردد؛ لأن الله تعالى لا يوقع به إلا ما يحب، والعبد صار يحب أن يموت، ولا يوجد تردد بين أمرين، لكن ظاهر الحديث أن هناك أمران: وهما: وجوب الموت على العبد، وهذا أمر نافذ، وقضاء لازم لا محيص عنه ولا مفر منه، وكراهة العبد للموت فيتعارضان، فلا بد أن أحدهما يقع، وإذا وقع أحدهما وهو الموت بخلاف ما يريد العبد، فيكون ذلك نوع من عدم الاستجابة والإكرام والمنة، وإعطائه ما يريد، والمسارعة له فيما يحب وما يريد، فهنا يكون الحالان المتعارضان.قال: (وقد ورد تفعَّل بمعنى: فعَّل، مثل: تفكر وفكر، وتدبر ودبر، وتهدد وهدد والله أعلم)، فهذا تخريج لغوي، والمهم والمقصود أنه على المعنى الثاني مما ذكره
الخطابي .قال: (وعن بعضهم: يحتمل أن يكون تركيب الولي، يحتمل أن يعيش خمسين سنة، وعمره الذي كتب له سبعون، فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيحييه عشرين أخرى.فعبر عن قدر التركيب، وعما انتهى إليه بحسب الأجل المكتوب بالتردد)، وهذا أيضاً نوع من التأويل، قالوا: إن التردد هو بين حالتين: الأولى: تركيب العبد، فإن العبد ركب بدنه ليعيش خمسين سنة، وبعد الخمسين يتوقف القلب، يتوقف المخ، تتعطل الأعضاء، ينتهي كل شيء، فإذا دعا الله تبارك وتعالى فهو ولي، والولي له هذه القيمة، وله هذه المنزلة، فإن الله تعالى يمد في عمره، كأن يمد له من العمر عشرين أو ثلاثين ليوافق ما قدر وما كتب له من قبل، وبالتالي فالتردد وقع في هذا، أي: بحسب التركيب، وبحسب القدر النافذ، وهذا أيضاً تأويل، وليس هو الوجه الصحيح في الحديث.